فضاء المرأة

اليوم العالمي للمدرس… سنوات صمت ترحما على مكانة المعلم 

 

بقلم إيمان الحفيان

 

كيف لنا أن نحتفل بيوم واحد للمدرس 05 أكتوبر من كل سنة و أن نجعل له يوما عالميا و كيف يكون للاحتفال طعم بعد أن تدهورت أوضاعه كمعلم و مركزيته كأستاذ، وفقد احترامه من طرف التلامذة و أولياء الأمور بكون أن الاعتراف الاجتماعي حمل و ألقى كامل المسؤولية على عاتقه بأن يكون مربيا قبل أن يكون مدرسا…

العالم اعترف منذ الخامس من أكتوبر 1994 بالدور الهام الذي يلعبه المعلم و قدرته على التأثير في خلايا المجتمع، من خلال احتفال أكثر من 100 بلد بيوم المعلم العالمي نظرا  لمعرفة القيمة الكبرى و الإضافات الكثيرة التي يقدمها التعليم على طبق من ذهب للأجيال القادمة و يقدمها المعلمون بكفاءة شرط امتلاكهم الضمير المهني، و يساهم المعلم “المربي” بشكل مباشر في تقدم المجتمعات المتعلمة “المثقفة”

و الفضل الكبير للفطنة بأهمية المعلم و مكانته اجتماعيا يعود لمنظمة “إيديوكشن إنترناشونال” التي فعلت عملية انتشار الاحتفال باليوم العالمي للمدرس منذ التسعينيات، بغض النظر عن كبار الفلاسفة الذين أكدوا على أهمية التعليم و ضرورة الاستثمار فيه لكونه رأسمالا ثقافيا و رأسمالا بشريا كما نعت ذلك بيير بورديو وهذه الرأسمالات تحدث عنها عالم الاجتماع بيير بوردي، في حين أن المعرفة الواحدة التي اقترنت بالرأسمال هو رأسمال وحيد في العالم يرتبط بالرأسمال الاقتصادي و النزعة المادية المحضة و لا يؤمن بمنطق الإنسان أو العاطفة و تحكم عقلية المستثمر بدرجة أولى…

إن مهنة التدريس منذ بدايتها أي منذ القدم كانت مكلفة و من بين المهام الصعبة باعتبارها رسالة تربوية أخلاقية بالأساس و قبل كل شيء، و هذا لا يمكن تحققه إلا عند توفير التدريب الملائم، والتنمية المهنية المستمرة، وحماية حقوق المعلمين، و هنا لا بد أن نفتح قوس تعنيف الأساتذة و تهميشهم و إنقاص مكانتهم التي كانت عالية و مقدسة مع جيل لا يمتلك مقومات أدبيات التعامل الأخلاقي مع من يدرسه و يلقنه دروسا في الحياة قبل دروس المقررات و المعلم الذي كاد أن يكون رسولا أصبح مذللا و مهملا، كما أن هنا قوس آخر و في الطرف الثاني يوجد العنف المعاكس الموجه ضد التلامذة و التحرش بهم و اغتصابهم و هي إشكالات اجتماعية نفسية برزت مجتمعة في الفضاء المدرسي الذي لم يخلو من معوقات تنظيمية هيكيلية و حاليا ظهرت عراقيل من نوع آخر على المستوى تلقين المعلومات و ظروف التدريس، مع تغييب الجانب التربوي الأخلاقي.

ولا  يختلف اثنان في جميع أنحاء العالم أن التعليم الجيد هو الأمل والوعد بمستوى معيشة أفضل لكل من درس و تفوق، ألا أن الاستثناءات موجودة، فليس من الممكن أن يكون هناك تعليم جيد بدون وجود معلمين مخلصين ومؤهلين و لا يمكن أن تكون فرص شغل بدون وجود كفاءات مؤهلة بعيدا عن المحسوبية و الزبونية….

و لا ننكر أن المعلم المبدع و المخلص في عمله من بين أحد العوامل التي تبقي الأطفال في مدارسهم وتؤثر في عملية التعلم، بكونه يساعد التلميذ في التفكير النقدي، والتعامل مع المعلومة مع عديد الموارد و الابتكار… و على الرغم من إصلاح منظومة التعليم بالمغرب إلا أنه لازالت مجموعة من الارتباكات و الاختلالات التي كانت عارية و جاء وباء و زاد الطين بلة و كل شيء بدا واضحا مكشوفا للمجتمع بأكمله، و خاصة في إطار البلاغات الأخيرة التي طفت على السطح و إشكالات ظلت معلقة بان مهنة التعليم ما فتئت تفقد مكانتها في بلدنا المغرب و نترحم على أوج البذخ العلمي و لا بد أن نقضي سنوات صمت ترحما على مكانة المدرس و ترحما على المنظومة التعليمية المغربية.

و جدير بالذكر أننا لطالما تتلمذنا جميعا على أيادي رجاء و نساء التعليم و مالهم من دور كبير في تطورات حياتنا وتحديد توجهاتنا و مناصبنا أيضا، فيوم واحد تقصير في حق المعلم و المعلمة، و أضعف الإيمان في هذه الحالة ينبغي لفت الانتباه إلى رفع مكانة مهنة التعليم ليس لأجل المعلمين والتلاميذ فحسب، ولكن لأجل المجتمع والمستقبل ككل بما يمثل إقرارا بالدور الذي يضطلع به المعلمون في بناء المستقبل.

و ما يمكن قوله ليس الاحتفال يوم واحد و إطفاء شمعة يوم المعلم  سينقذ مستقبل المدارس المغربية و سيشعل الرغبة الجادة في التعلم، كما أن المعلم و لوحده لم يعد قادرا على مزوالة التعليم و مزجه بالتربية ، بحيث لابد و أن تقف معه جنبا لجنب مؤسسات أخرى كي ينجح المشروع التعليمي لفائدة أبناء المغرب على وجه الخصوص و ليكونوا مفخرة لنا على الصعيد الوطني و العالمي، بحيث لا ننكر الأسماء التي لمعت في مختلف دول العالم و حققتها تلامذة إلى جانب تغيير جذري زمني تعيد النظر فيه وزارة التربية و التعليم المغربية بعيدا عن الإصلاحات السطحية…

و أفضل عبارة يمكن الختم بها أن مهنة التعليم أينما كانت و متى ما بدأت تبقى و تظل من أسمى وأنبل المهن في هذا العالم، لدورها العظيم في ازدهار و رقي المجتمعات، و ما يمكن الاشتغال عليه مستقبلا في ظل أزمة كورونا و ما بعدها عن أي تعليم نتحدث و أي نموذج تعليمي نريده؟ و إلى أي حد نجح التعليم بالتعاقد و ما درجة السماح للأستاذ الشاب بالإبداع داخل الفصل رغم اتجاه الخوصصة في التعليم الذي اتجهت نحوه حكومة المغرب؟