أقلام حرة

في زمن الكرونا صناعة الكمامة أفضل من صناعة السلاح

 

رضوان المسكيني

عندما تنتصرفئة مسلحة على نظيرتها غالبا ما تفرح المنتصرة وتنتشي بنصرها معبرة عنه بإطلاق الرصاص في الهواء ، فكم من رصاصة أطلقت في الهواء بدافع الفرحة وأخفقت وجهتتها وقتلت الأصدقاء في عز الفرحة كما قتلت الأعداء في الحروب ، والسلاح في غالب الأمر أعد مسبقا للقتل والفتك والدمار وليس للفرحة والاحتفال ويبقى السلام نعمة من نعم الله التي منها على عباده .
لا يخلو تحديد مفهوم دقيق للسلام من صعوبات معرفية وقانونية أوحتى سياسية، بالنظر إلى انفلاته وتطوره، وبالنظر أيضاً إلى اختلاف المقاربات بين الباحثين والمهتمين في هذا الخصوص، حتى إن الميثاق الأممي لم يتطرق بدوره بالتفصيل لهذا المصطلح المهم والعالمي في نفس الآن، رغم تكراره في الميثاق أكثر من مرة . وعموماً يعبّر السلام عن تلك الحالة من الاستقرار والطمأنينة وغياب التوتر والحروب و نبذ جميع أشكال التطرف والإرهاب .
كان السلام ولازال مطمحا أساسيا لجميع الشعوب خصوصا مع تنامي الحروب وماخلفته من دمار على مختلف الواجهات في عصرنا الحديث ، ومع تشابك العلاقات الدولية وتطورها في العقود الأخيرة ، وما رافق ذلك من تحرر العالم من تبعات الحرب الباردة ، والتفاته إلى المخاطر الجديدة العابرة للقارات “كرونا مثلا” أضحى مطلب السلام أكثر إلحاحا وضرورة .
وفي ظل الجائحة التي غيرت ترتيبات الدول والعالم ، أصبح اليوم لزاما على الكل : مؤسسات وأفراد ودول، التفكير نحو بناء نظم جديد لعالم أفضل يعتبر جنسه البشري أرقى مكوناته، وهو ما عبر عنه زعيم أحد الدول عندما قال :”أحيي الإنسان تحيى الدولة” منطق جميل ولكن سيكون أجمل لو غيرنا كلمة دولة بعالم لتصبح : “أحيي الإنسان يحيى العالم “.
في الوقت الذي تتسارع فيه الدول لتتبادل تجاربها وعلومها من أجل الوصول إلى علاج لهذا المرض الخطير وهو خطوة أساسية في درج تحقيق السلام العالمي ، فهذا التعاون بين الدول سبيل إلى دحض بروزجميع أشكال القوميات الوطنية الضيقة ، وتغييرمفهوم سياسة الحماية الاقتصادية من الانغلاق إلى الإنفتاح وتعزيز التعاون العابر للقارات في جميع الميادين الانسانية .
جميع الأحداث المؤلمة والأزمات التي مر منها العالم قبل” كرونا ” تطلبت التدخل السريع للحد منها بتظافر جهود جميع الدول ، وكيفما كانت هذه الأزمات فإنها لم تدم طويلا لتدفع الكل إلى التفكيرفي إعادة بناء جدري لجميع الأنظمة الدولية كما يحتاج الواقع الآن .
بناء جديد لا يستقيم عماده إلا إذا رجعنا وفهمنا مصطلح مهم في الفلسفة وهو “التفكيكية ” بمعناها الاجابي وليس السلبي الذي يعني التدمير والهدم بل التصحيح والتركيب وإعادة الترتيب على أسس جديدة تنبذ التعصبات بجميع أشكالها وإرساء لبنة التنوع والاختلاف وإعادة الاعتبار للهامش الذي هو الانسان وللمنسي الذي هو : أن الجنس البشري له أصل واحد لا يتغيرعبر الأزمنة والعصور.
فالتفكيكية التي يعرفها العالم اليوم بمثابه استراتيجية في الهدم والبناء مسيرة لتحقيق أهداف مسخريها تعتمد الخلخلة والزعزعة والتفتيت وما ترسمه النوايا من مزاعم السيطرة والهيمنة في جميع المجالات .
إن مفهوم السلام منذ ثلاثة عقود يقترن بغياب التهديدات العسكرية ، بما يعنيه ذلك من تركيزعلى محدد وحيد يحكمه الهاجس العسكري عموده الفقري قوة السلاح والتسلح .
لماذا لا نفكر مليا في مقاربة جديدة وهي عالم بدون سلاح ، ملايين المليارات تصرف في صناعة الأسلحة وجميع الدول هاجسها الوحيد شراء الأسلحة للتباهي أوتجنب التهديديات من دول مجاورة أو بعيدة ، ما قيمة السلاح الآن أمام كرونا التاجي ؟ أما كان التعليم والصحة أولى بهذه المبالغ ؟ أليس إنتاج عقل مدبر ومفكرأفضل من صناعة أوشراء رصاصة مهنتها القتل بامتياز ؟ بدل تخصيص حصة الأسد من ميزانية الدول للتسليح والتسلح كان الأولى بهم تشجيع الصناعات المحلية والمقاولات الصغيرة، أليست الكمامة اليوم أحسن من الرصاصة أو حتى البارجة الحربية برمتها ، لأن الكمامة قد تحفظ الأرواح أما الرصاص فيزهقها .

السلام كمبدأ عالمي لا يمكن تحقيقه إلا إذا آمن الفرد به قبل دولته لأنه النواة الأساسية في تكوين المجتمعات ، كما أن الفرد هو المعني بتحري الحقيقة في جميع الأمور قبل الحكم المسبق العقيم ، فعند تعلم آليات تحري الحقيقة يصبح الفرد متقبلا لجميع الأفكار والآراء نابذا للتعصب ومحبا للألفة والاتحاد ، وبذلك يؤمن بمبدأ المساواة بين الجنسين فيسلم بحق التعليم للفتاة التي ستصبح أما ومربية للأجيال فتزرع فيهم حب الآخر عن النفس مؤمنا باتفاق الدين والعلم وموقن باستخذام العلم فيما يعود لصالح الإنسانية .